تعليم ومعرفة

الهندسة المدنية ودورها في بناء سوريا

ماهو دور الهندسة المدنية في بناء سوريا؟


في عالم يعج بالتحديات، تبرز الهندسة المدنية كأحد الأذرع الأساسية في حياتنا اليومية، من الجسور التي تربط بين المدن إلى المباني. وفي سوريا، حيث خّلفت الحرب أثراً عميقاً في كل زاوية من زوايا الأرض والروح، يقف المهندس المدني في قلب معركة جديدة، معركة إعادة الإعمار. وخصيصيًا في الجامعات السورية، ليحملوا على عاتقهم مسؤولية بناء سوريا المستقبل.

الهندسة المدنية: أكثر من مجرد بناء

إعادة بناء سوريا ليست مجرد مهمة هندسية تقليدية، بل هي رحلة معقدة تمزج بين التكنولوجيا والتاريخ، لإعادة الأمل وبناء مستقبل جديد. الهندسة المدنية لا تقتصر على إعادة وضع اللبنات الأساسية للمباني والشوارع، بل تتطلب أيضًا بناء روابط بين الماضي والحاضر والمستقبل. في ظل التطورات التكنولوجية المتسارعة، يجب على المهندس المدني أن يتكيف مع تقنيات العصر مثل البناء الذكي والطباعة ثلاثية الأبعاد، ليحقق نهضة مستدامة تعكس تطلعات السوريين في بناء وطن يعيد الحياة إلى قلبه.

ماهو دور المهندس المدني في إعادة بناء سوريا؟

يُعد المهندس المدني ركيزة أساسية في بناء المجتمعات وتطوير البنية التحتية، فهو الشخص المسؤول عن تصميم وبناء وصيانة المشاريع التي تضمن استدامة الحياة اليومية. في ظل التحديات التي تواجه سوريا بعد سنوات من الحرب، يكتسب المهندس المدني دورًا محوريًا أكثر من أي وقت مضى. إذ تتطلب عملية إعادة البناء مهارات متقدمة وتقنيات حديثة لإعادة إعمار البنية التحتية بشكل فعّال وآمن. ومن هنا تأتي أهمية دراسة الهندسة المدنية، التي تمنح الطلاب الأدوات اللازمة لفهم التصاميم المعقدة وإدارة المشاريع الضخمة، مع ضرورة مواكبة الابتكارات في مجالات مثل البناء المستدام والتكنولوجيا الذكية. وبذلك، يصبح المهندس المدني العنصر الأساسي في بناء سوريا الحديثة على أسس قوية ومستدامة.

من الرماد ننهض

بدأ السّفاح برفض مطالب الشعب السوري في عام 2011، ودمر البشر والحجر، مما أدى إلى تدمير أكثر من 130,000 مبنى، بحسب إحصائية أجريت عام 2023، حيث أن 70% منها كانت مباني خرسانية مسلحة (RC) (Rashwani et al., 2023). وبعد انتهاء الحرب، من المتوقع أن يعود ملايين اللاجئين في غضون 8 سنوات، مما يتطلب تجديدًا حضريًا سريعًا في البلاد. وقد تم طرح اقتراح مبتكر في ورقة بحثية أعدها طلاب يدرسون الهندسة المدنية في Middle East Technical University (METU)، يقضي بإعادة استخدام الخرسانة المدمرة من المباني عبر تحويلها إلى ركام خرسانة معاد تدويره (RCA). تركز هذه الحلول على استغلال الركام كمصدر مستدام للمواد الأولية في عمليات البناء، مما يسهم في تسريع عملية إعادة الإعمار وتخفيف التكاليف البيئية.


أي سكة يجب أن تسلكها الجامعات السورية؟ 

في ظل التحديات التي تواجهها سوريا بعد سنوات من الحرب، أصبح من الضروري تطوير مناهج الهندسة المدنية في الجامعات السورية لتواكب التغيرات السريعة في التكنولوجيا والمجتمع، وتحقيق إعادة إعمار مستدامة. لذا، يجب على الجامعات السورية البدء بتحديث المنهاج لمواكبة العالم الخارجي وذلك من خلال:

دمج تقنيات البناء المستدام والابتكار التكنولوجي

من الضروري تحديث مناهج الهندسة المدنية لتشمل تقنيات البناء المستدام، مثل استخدام المواد المعاد تدويرها والتصميم البيئي الذي يركز على تقليل البصمة البيئية للمشاريع. كما يجب أن تتبنى الجامعات تقنيات البناء الذكي مثل الطباعة ثلاثية الأبعاد، الذكاء الاصطناعي، والواقع المعزز في تصميم المشاريع. هذه التقنيات ليست فقط وسيلة لتسريع العمل، بل أيضًا تساهم في بناء بنية تحتية أكثر استدامة وفعالية.

تحديث المناهج الدراسية لتشمل مهارات القرن الواحد والعشرين

يجب أن تركز المناهج السورية على تطوير مهارات التفكير النقدي وحل المشكلات المعقدة، بالإضافة إلى مهارات القيادة وإدارة المشاريع. ينبغي أن تشمل مناهج الهندسة المدنية دراسات وحلول عملية تعتمد على التعلم القائم على المشاريع التي تتيح للطلاب تطبيق ما تعلموه في مشاريع حقيقية تعكس التحديات المحلية مثل إعادة إعمار المناطق المتضررة.

تعزيز التعليم الهندسي القائم على البحث العلمي

ينبغي للجامعات السورية أن تعزز ثقافة البحث العلمي في مجال الهندسة المدنية. يمكن للطلاب والمجتمع الأكاديمي العمل على مشاريع بحثية تتعلق بتطوير حلول هندسية مناسبة للوضع السوري، مثل تقنيات إعادة استخدام الخرسانة المدمرة أو حلول البناء المنخفضة التكلفة التي يمكن أن تساهم في تسريع إعادة البناء في المدن المدمرة.

دمج مفاهيم الاستدامة البيئية والاجتماعية في التعليم

من الضروري أن تتبنى الجامعات منهجًا يدمج بين الهندسة المدنية و المسؤولية الاجتماعية، مع التركيز على توفير حلول إسكانية مستدامة، وتحقيق عدالة اجتماعية في التصاميم الهندسية. يجب أن تكون المشاريع التي يتم تدريسها وتطويرها شاملة، تأخذ في الاعتبار احتياجات جميع فئات المجتمع السوري وتساهم في تحسين نوعية حياتهم.

تعزيز الشراكة مع القطاع الخاص والمجتمع الدولي

لتطوير مناهج الهندسة المدنية بشكل فعال، يجب على الجامعات السورية أن تتعاون مع القطاع الخاص و المؤسسات الدولية التي تعمل في مجال الهندسة والإعمار. هذه الشراكات يمكن أن توفر للطلاب فرص تدريب عملي على أحدث التقنيات الهندسية، بالإضافة إلى توفير منصات للمشاركة في مشاريع إعادة إعمار حقيقية.

التكيف مع التغيرات السكانية والبيئية

نظرًا للتغيرات السريعة في التركيبة السكانية نتيجة للنزوح الداخلي والخارجي، يجب أن تركز مناهج الهندسة المدنية على التخطيط العمراني الذي يتوافق مع هذه التغيرات. كما يجب أن تدرس الطرق التي يمكن من خلالها التعامل مع الظروف البيئية المتغيرة، مثل التصاميم التي تواكب التغيرات المناخية والتقليل من تأثيرات الكوارث الطبيعية على البنية التحتية.

تشجيع التعليم المستمر والتطوير المهني

يجب أن تركز الجامعات السورية على أهمية التعليم المستمر للمهندسين بعد التخرج، من خلال الدورات التدريبية و ورش العمل التي تسهم في مواكبة أحدث التطورات في مجال الهندسة المدنية. بالإضافة إلى ذلك، من المهم إدخال المهارات التقنية الحديثة في مجالات مثل البرمجيات الهندسية و التحليل الإنشائي، مما يساهم في رفع كفاءة المهندسين بشكل مستمر.

أين بإمكاني أن أدرس الهندسة المدنية؟

توجد العديد من الجامعات في سوريا التي تقدم برامج دراسات في الهندسة المدنية، مما يتيح للطلاب الفرصة للتخصص في هذا المجال الحيوي. فيما يلي قائمة بالجامعات التي تدرس هذا التخصص:

جامعة دمشق, جامعة حلب, جامعة حماة, جامعة القلمون, الجامعة العربية الدولية, جامعة الوادي الدولية, جامعة الجزيرة الخاصة, جامعة الحواش الخاصة, الجامعة الوطنية الخاصة, جامعة المنارة الخاصة, جامعة أنطاكية وجامعة اليرموك الخاصة.


في الختام، تمتلك سوريا فرصة فريدة لإعادة بناء سوريا بعد الحرب، حيث يلعب المهندسون المدنيون دورًا محوريًا في عملية إعادة الإعمار. من خلال تعزيز التعليم في مجال الهندسة المدنية، ودمج التقنيات الحديثة، وابتكار حلول مستدامة، يمكننا تحويل الأنقاض إلى أساسات قوية تدعم التقدم. مع كل خطوة نحو إعادة الإعمار، نبني سوريا على أسس قوية وعصرية تليق بتاريخها وطموحات شعبها.


المصادر:

[1] Rashwani, A., Kadan, B., Seyedian Choubi, S., Alhammoudi, Y., Hanein, T., Guadagnini, M., Akgul, C.M. & Provis, J.L., 2023. Rebuilding Syria from the Rubble: Recycled Concrete Aggregate from War-Destroyed Buildings. Journal of Materials in Civil Engineering, 35(4). https://doi.org/10.1061/(ASCE)MT.1943-5533.0004654.

Designing a New Civil Engineering Curriculum to Prepare Tomorrow’s Engineer, Elizabeth G.[2] Jones University of Nebraska, Lincoln Orcid 16x16 orcid.org/0000-0002-7043-1426


الكلمات المفتاحية:

الهندسة المدنية، إعادة الإعمار، سوريا، البناء المستدام، الجامعات السورية، المهندس المدني، التحديات المستقبلية، التعليم الهندسي، الخرسانة المعاد تدويرها.