ماذا لو كنت سارقاً أدبياً بدون أن تعلم؟ اقتباسك أو استلهامك من نص ما وتعديله دون ذكر المصدر، هل يُعتبر سرقة أدبية أم ابداعاً مشروعاً؟
تُعد السرقة الأدبية من أخطر وأبرز التحديات التي تواجه الكتّاب، سواء في المجال الأدبي أو العلمي، إذ يتحول الاقتباس من كونه جزءً من الإبداع والإلهام إلى سرقة فكرية وتعدٍ على ملكية الأفكار. فماذا إذا تحولت الكتابة إلى وسيلة للتزوير و جريمة يُعاقب عليها القانون؟ ومتى يتحول الإبداع إلى سرقة، وتصبح الكتابة جريمة؟
ان كنت من المهتمين في هذا الموضوع فهذا ما سنتناوله في هذه المقالة.
في البداية ما هو الأدب بشكل مبسط:
الأدب هو لغة الشعوب قديماً وحديثاً وهو أحد الأساليب التعبيرية والإنسانية حول أفكار الإنسان وعواطفه ومخاوفه، فيعبر عنها من خلال أسلوبه الكتابي لإيصال معاني معينة. والأدب يتعلق باللغة تعلق كبير، فما يتم تدوينه يُحفظ على شكل "الأدب" بجميع أشكاله المختلفة. يصنف الادب الى عدة تصنيفات بحسب اللغة أو الموضوع الأدبي ونوعه، وكذلك بحسب الفترة الوارد فيها ويشكل جزء كبير من حضارة المجتمعات وثقافتها، فنجد لكل دولة نوع أدب خاص بها يميزها عن باقي الدول والشعوب.
تعريف السرقة الأدبية:
هي ظاهرة قديمة منذ تاريخ الفكر الإنساني وهي عملية تعدي فكري وسرقة متعمدة، من خلال استخدام أعمال ونصوص أو أفكار شخص و نسبها لشخص اخر غير الكاتب الأصلي أو المخترع الأول وسلبه ملكيته الفكرية. لذلك تعتبر من أشكال الانتحال عن سبق الإصرار والترصد.
تختلف أنواع السرقة الأدبية والفكرية، فهي لا تقتصر فقط على سرقة نصوص من الأدب كالشعر والنثر والمؤلفات، بل ومن الجدير بالذكر أن أكثر أنواع السرقات الأدبية انتشاراً هو ما يصيب البحوث العلمية، و أطروحات الدراسات العليا.
لذلك تعتبر السرقة الأدبية جريمة يحاسب عليها القانون وتؤخذ على محمل الجد في كل الحالات وفي معظم الدول الأجنبية والعربية.
أو كما عرَفها الكاتب إيكتور أغيلار كامين في كتابه أن السرقة الأدبية هي التالي:
"إنها جريمة يصاحبها الاعجاب، يسرق المنتحِل لأنه معجب، لأن المادة التي يسرقها تبلغ في دواخله بعداً فنياً فريداً لا يمكنه الوصول إليه، ولا أن يتشرف به إلا بطريقتين: باستنساخه كلياً، وهذه نسخة همجية للمهنة، أو تغييره بما يكفي ليصعب التعرف عليه لأول وهلة، لكن مع الحفاظ على أثر الإبهار الأصلي الذي دعاه إلى انتحاله كما هو ".
بعض وأهم القواعد و الأسس التي ميزت السرقة الأدبية قديما:
بما أن السرقة الأدبية ظهرت منذ العصر الجاهلي، صاغ النقاد والشعراء قديماً بعض الأسس التي توضح إن كان يوجد سرقة في العمل الأدبي، وأبرز هذه الأسس كان:
- استخدام المعنى: وهي ان يتم أخذ المعنى واستخدام مرادفات للكلمات بحيث أن تكون الجملة بكلمات مختلفة ولكن المعنى متشابه.
- استخدام المعنى واللفظ: وهو أن يتم أخذ المعنى بشكل كامل مع الاستعانة بالقليل من اللفظ.
- استخدام عكس المعنى: وهو أن يتم أخذ المعنى ومن ثم عكسه لاستخراج جملة تعاكسه معنوياً ولفظياً.
وهنا بعض القواعد التي وضعها النقاد والشعراء قديماً تقي صاحبها من تهمة الانتحال:
- المرئيات: والمقصود هو كل ما يراه الناس من مناظر طبيعية والإسهاب في وصفها فقد يتشابه في ذلك العديد من الشعراء، فلا يخفى على أحد جمال ما يراه من مناظر طبيعية
- المشتركات: وهي كل ما يشترك به عامة الناس، من مشاعر وأفكار، مثل: الفرح، الحزن، الغضب، الخوف، الرجاء، والخيبة.
- الإحسان: ويُعنى بذلك أن يقوم الشاعر أو الكاتب ، بالتحسين من صياغة ما كتبه شاعر أو كاتب قبله من كلمات ومعاني رديئة.
فكان سابقاً الكشف عن وجود نص مسروق أصعب ويحتاج ذكاء واتباع منهجية وقواعد معينة، أما اليوم فقد سهلت لنا التكنولوجيا كشفها بسرعة وبشكل دقيق، وبالتالي أصبحت السرقة أصعب على المنتحلين.
كيف تكون سارقاً أدبياً:
أشرنا سابقاً لوجود أشكال مختلفة من السرقة الأدبية ولكن كيف يمكن أن يقع الشخص في هذا النوع من الجرائم؟
لا يتعلق الأمر فقط بنسخ نص ما و نسبه له دون الإشارة للمالك الأصلي للفكرة، بل الأمر أشمل من ذلك، ويتضمن:
- استخراج فكرة من نص وإعادة صياغتها وتقديمها على أنها محتوى جديد مبتكر.
- عدم استخدام علامات الاقتباس عند اقتباسك من شخص ما.
- استخدام صور أو مقاطع فيديو بدون أخذ الإذن من المالك الأصلي.
وتشمل كذلك البحوث العلمية مثل:
- نشر بحث علمي يخص باحث آخر بشكل كامل مع تغيير بسيط جدا.
- سرقة باحث لعدة أجزاء من بحوث و أماكن مختلفة وتنسيقها لتتناسب مع بعضها دون إعادة صياغتها وارهاق نفسه بكتابة بحث جديد.
وحتى مع ذكر المصادر في بعض الأحيان تكون سرقة، كقيام الشخص بذكر المصدر ولكن بدون وضع الإشارات التي توضح أن هذا النص مقتبس أو منقول، وأيضا عندما يقوم بذكر بعض المصادر وإهمال بعضها.
والقائمة تطول ولكن كانت هذه أبرز النقاط التي تجعل منك سارقاً أدبياً عزيزي القارئ.
كيف تتجنب الوقوع بالسرقة الأدبية ؟
كما ذكرنا سابقاً أن السرقة الأدبية والانتحال ليست فقط مجرد عمل غير أخلاقي، بل هي جريمة يحاسب عليها القانون وتؤثر سلباً على صعيد المسيرة الدراسية والمهنية، لذلك هناك بعض الخطوات والنصائح التي تحد من الوقوع في هذا الانتحال ومنها:
- قراءة المصادر التي سيتم استخدامها في المقالة أو البحث عدة مرات لفهم الفكرة بشكل جيد.
- الكتابة بأسلوبك ومفرداتك الخاصة.
- أن تكون على علم جيد بأساليب السرقة الأدبية والانتحال لتستطيع تفادي الوقوع بها.
- استخدام علامات التنصيص اللازمة أثناء الاقتباس من نص مع ذكر مصدره الأساسي.
- أن تستشهد بمعلومات ومحتوى من كتاباتك السابقة.
- ذكر جميع المصادر التي تم استخدامها في الكتابة بشكل وتنسيق صحيح.
- استخدام مواقع لكشف الانتحال بعد الانتهاء من الكتابة لتجنب الوقوع بأي شبهة.
- تقديم تقرير في نهاية البحث أو المقال يثبت خلو العمل من أي انتحال.
مثال عن السرقة المباشرة:
في أحد الدراسات التي قدمها مُراجع في COPE، قام مؤلفون بنسخ فقرة كاملة من منشور شخص آخر، كلمة بكلمة، فتم اعتبارها سرقة أدبية. قدم المؤلفون المنتحلون خطاب اعتذار، وسُمح لهم بمعالجة المشكلة عند هذا الحد دون المزيد من التداعيات.
فالنسخ المباشر هو دائماً سرقة أدبية. ولا يكفي مجرد ذكر والاستشهاد بالمصدر، بل يجب إعادة صياغته بشكل كامل او اقتباس العمل الذي تم ذكره.
بعض الكتب عن السرقة الأدبية:
- الشعر والشعراء لابن قتيبة
- مشكلة السرقات في النقد الأدبي لمحمد هدارة
- السرقات الأدبية لبدوي طبانة
في الختام، تبقى السرقة الأدبية أمراً مرفوضاً مهما اختلفت دوافعه، فقد يقع فيها البعض عن وعي وإدراك، في انتهاكه الصريح لحقوق الملكية الفكرية، وقد يقع فيها آخرون دون قصد نتيجة لجهلهم بقواعد الكتابة والنشر. ولهذا، فإن الوعي والتثقيف المستمر حول حقوق المؤلفين وأسس الاقتباس السليم، يُعد ضرورة لا غنى عنها لكل من يمارس الكتابة أو البحث. فالمعرفة تقي صاحبها من الوقوع في الخطأ، وتحميه من المساءلة القانونية والمواقف الغير أخلاقية التي قد تمس سمعته أو تنال من مكانته.
ويبقى السؤال "هل كل ما نقرأه في الكتب هو فكرة أصلية أم سرقة أدبية؟"
المصادر
- موضوع. تعريف الأدب. [أونلاين] متاح على: تعريف الأدب - موضوع [تم الدخول في 11 أبريل 2025].
- موضوع. السرقة الأدبية. [أونلاين] متاح على: السرقة الأدبية - موضوع [تم الدخول في 11 أبريل 2025].
- كتاب [ سرقة أدبية ] للكاتب [إيكتور أغيلار كامين] [صفحة 33].
- سطور. السرقات الأدبية وأنواعها. [أونلاين] متاح على: السرقات الأدبية وأنواعها - سطور [تم الدخول في 11 أبريل 2025].
- الطاعون. ما هي السرقة الأدبية وكيف تتجنبها في مقالتك؟ - الانتحال ودور الذكاء الاصطناعي. [أونلاين] متاح على:ما هي السرقة الأدبية وكيف تتجنبها في مقالتك؟ - الطاعون - الانتحال. دراسات. الذكاء الاصطناعي. [تم الدخول في 11 أبريل 2025].
- المنارة للاستشارات. السرقة الأدبية (Plagiarism). [أونلاين] متاح على:السرقة الأدبية (Plagiarism) - المنارة للاستشارات [تم الدخول في 11 أبريل 2025].
- Gulston, A. (2023). عشرة أنواع شائعة من السرقة الأدبية (وكيفية تجنبها). MARS-GLOBAL. تم الاطلاع عليه في 30 أبريل 2025، من عشرة أنواع شائعة من السرقة الادبية (وكيفية تجنبها) – MARS-GLOBAL
الكلمات المفتاحية:
السرقة الأدبية، الاقتباس، الانتحال، حقوق الملكية الفكرية، الأخلاقيات الأكاديمية، إعادة الصياغة، كشف الانتحال، الكتابة الأكاديمية