لطالما كانت الأهرامات موضعاً للعديد من النظريات، ومحط اهتمام الكثير من الباحثين والعلماء والمهتمين بالآثار. وتُعد الأسئلة المتعلقة بنشأتها، ومن قام ببنائها، وما تحتويه داخلها وأسفلها، وسبب بنائها، من اكثر المواضيع انتشارا وبحثاً.
ورغم التقدم العلمي والتكنولوجي الذي وصل إليه العالم حتى اليوم، لا يزال الغموض يلف حول سبب بناء الأهرامات الحقيقي.
وبدأت العديد من الفرضيات والنظريات بالانتشار حول بناء الأهرامات. الكثير من الناس على مر العصور آمن إنها مقبرة للملك المصري القديم خوفو، وللعائلة المالكة، لكن هناك من يرى اسباباً أُخرى لبنائها، فمنهم من يعتقد أنها كانت بمثابة مولد طاقة عالمي، ومنهم من ربطها كحلقة وصل بين ما قبل الطوفان وما بعده، ومنهم من قال بوجود مدينة كاملة تحت الأهرامات، وتطول قائمة الفرضيات والنظريات حول الاهرامات.
سنتحدث اليوم عن أبرز وأهم نظريات انتشرت مؤخراً عن الأهرامات، وهي عن اكتشاف أعمدة تحت هرم خفرع ، واحتمالية أن تكون الأهرامات مولد طاقة عالمي، كمشروع العالم نيكولا تسلا Wardenclyffe Tower الذي تم هدمه عام 1917 نظراً لفشله.
سنتطرق بدايةً لنظرية اكتشاف الأعمدة.
نظرية الأعمدة تحت هرم خفرع:
انتشر مؤخراً خبر لفريق بحث من إيطاليا، أنهم عثروا على هياكل أعمدة عملاقة ملفوفة في سلالم أو أنابيب حلزونية، تمتد تحت سطح الأرض لهرم خفرع، حيث أنهم قاموا بتوجيه رادار من قمر صناعي إلى الهرم، ثم راقبوا ارتداد هذه الموجات ليكتشفوا وجود هذه الأعمدة، وتحديدا تحت هرم خفرع، و ادعوا أن ما وجدته الموجات تحت هرم خفرع موجود ايضاً تحت جميع الأهرامات.
لكن.. هل هذا الاكتشاف حقيقي؟ وهل له صلة بمشروع تسلا للطاقة؟
مشروع تسلا للطاقة اللاسلكية Wardenclyffe Tower:
قبل أن نبدأ في طرح نظرية الطاقة الخاصة بالأهرامات، لابد أن نلقي نظرة على مشروع مشابه والذي تم ربطه لاحقاً بالأهرامات، للعالِم نيكولا تسلا.
اشتهر تسلا بعمله في مجال التيار المتردد، ولكن كان لديه خطط وأفكار أكبر. أجرى تجارب في الارسال اللاسلكي للكهرباء، بهدف نقل الطاقة بدون أسلاك حول الأرض. كان بناء البرج اللاسلكي بارتفاع 187 قدم، بقاعدة من الخشب والتي تُعتبر مادة عازلة للتيار الكهربائي، وبُنيت كرة فولاذية ضخمة على قمة البرج، نظراً لكون الفولاذ ناقل جيد للكهرباء. بالإضافة الى وجود طبقة مياه جوفية "aquifer" تحت البرج، و يمتد إليها عمود نحاسي، مما يعني أن وجود الماء تحت سطح الأرض أمر ضروري. كانت فكرته تقوم على توصيل كهرباء بشكل لاسلكي (بدون اسلاك) الى العالم اجمع.
التشابه بين مشروع تسلا للطاقة والأهرامات.
لنفهم النظرية ولكي نرى التشابه، يجب أن نعلم أولاً كيف كان شكل الأهرامات عند انتهاء بنائها:
- كان الهيكل الخارجي للأهرامات مُغطى بطبقة حجر جيري (كلسي) الأبيض المصقول، ويعتبر مادة عازلة للكهرباء والحرارة.
- ثم لدينا قمة الهرم الأكبر، والتي كانت مغطاة بمزيج من الذهب أو الإلكتروم Electrum (مزيج من الفضة والذهب)، والتي تُعتبر ناقل جيد للكهرباء.
وبالعودة للحاضر، تم رصد وتصوير وجود نحاس أسفل الهرم كذلك. بالاضافة لاكتشاف طبقة مياه جوفية "aquifer" تحته.
وهنا يظهر التشابه اللافت بين الخصائص الخارجية لكل من مشروع تسلا والاهرامات:
- التوصيل
- العزل
- المياه الجوفية
- النحاس
ولكن، بالتأكيد لا يكفي تطابق الأشكال، فالمهم هو كيف تتم عملية توليد الطاقة، وهنا سنتحدث بإيجاز عن العملية المزعوم أنها تتم داخل الأهرامات لتوليد هذه الطاقة.
يُظهر المخطط التفصيلي للهرم موقع ألواح الغرانيت، والتي تتمركز تقريباً في منتصف الهرم، والتي يُقدر وزنها ب 70 طن. الغرانيت يحتوي على نسبة معينة من ال quartz، وهو نوع من الكريستال له خاصية تدعى piezoelectricity، أي أنه اذا تعرض لأي نوع من انواع الضغط، او ذبذبة، او اذا تغير شكله، يصنع بداخله تيار كهربائي.
ولكن، مالذي سيُعرض هذا الكم الهائل من الغرانيت للضغط لتوليد الطاقة؟
من المحتمل أن يكون لتلك الأعمدة المُكتشفة دور محوري في توليد الطاقة، بالإضافة إلى وجود ترسبات للزنك والكلور داخل الهرم تدل على حدوث تفاعل كيميائي يُطلِق طاقة ضغط هائلة، تُرسَل إلى أسفل ألواح الغرانيت ليتم تحويل هذه الطاقة بعد التفاعلات داخل الهرم لشحنات كهربائية، فتنطلق هذه الشحنات لقمة الهرم الناقلة للكهرباء فيتم شحن الهواء بهذه الشحنات.
الجدير بالذكر أن كمية الطاقة التي تنتج مع نظرية وجود الأعمدة، قادرة على إعطاء طاقة 24كهربائية ساعة، للكرة الأرضية كاملة لمئات السنين.
وهنا يأتي السؤال: هل فعلاً الأهرامات لم تكن مجرد قبر للفراعنة بل مشروع للطاقة؟
أما عن الجواب، فتلك نظرية منفية و لا تدعمها أي حقائق علمية مثبتة إطلاقاً، إضافة إلى أن:
- الغرانيت ينكسر عند تعرضه لحد معين من الضغط.
- الذهب يتبخرعند تعرضه لتيار كهربائي عالي الشدة.
- لايوجد مصدر علمي يؤكد العثور على رواسب الكلور والزنك اللذان هما أساس عملية توليد هذه الطاقة.
وهنا يتم نفي هذه النظرية تماماً.
والآن إثبات صحة نظرية الأعمدة
حقيقة الأعمدة تحت الأهرامات:
الحقيقة أن من قام بنشر هذه المعلومات هم ليسوا بعلماء ولا باحثين، والصور التي استُخدمت في بحثهم كانت معدلة عبر تطبيق قاموا بتطويره بأنفسهم، ولم يقوموا بالإفصاح عنه.
بالإضافة إلى أن التقنية المستخدمة والتي تدعى SAR لا تستطيع الكشف عن عمق أكثر من عشرات الأمتار كحد أقصى، فكيف ستكشف عن أعمدة يتجاوز طولها 600 متر؟
والورقة العلمية التي قدمها الباحثون لم ينشروها في مجلة علمية، بل في موقع (منتدى) يختص بعرض نظريات المؤامرة واشياء لا تمت العلم بأي صلة، كما أن هؤلاء الباحثين أشخاص غير مختصين نهائياً.
رد المختصين وعلماء الآثار حول الموضوع:
نفى عالم الآثار المصرية، زاهي حواس، وجود الأعمدة تحت الهرم، ووصفها بأنها شائعات. وقال في بيان عبر صفحته، أنه لا يوجد أي دليل علمي يؤيد هذا الكلام، ولا توجد أي بعثات تعمل في هرم خفرع.
وأضاف إلى ان المجلس الأعلى للآثار لم يعطي تصريحات لأي أعمال داخل الهرم.
في الختام نقول كما قال الدكتور حسين عبد البصير، عالم الآثار المصرية ومدير عام أهرامات الجيزة السابق، أن هذه الدراسة رغم جاذبيتها للجمهور العريض يفتقر الى ابسط معايير العلم الرصين، بل ويقع في دائرة المبالغات، وربما التضليل.
وبالنظر إلى الأدلة والحقائق العلمية التي تناولناها في هذا المقال، يتضح لنا أن النظريات حول الأعمدة وتوليد الطاقة داخل الأهرامات لا تستند إلى أي أساس علمي موثوق من طرف جهات مختصة، ولا يمكن إثبات صحتها بأي حال.
ومع ذلك تبقى الأهرامات أعظم لغز معماري في التاريخ.
الأهرامات لم تبح بأسرارها بعد.. فأي عقل سيحل ألغازها أولاً؟
المصادر:
Atlas Obscura. (n.d.) Nikola Tesla built a giant tower to send wireless electricity around the world. متاح عبر: Nikola Tesla Built a Giant Tower to Send Wireless Electricity Around the World - Atlas Obscura (تم الدخول في 29 أبريل 2025).
Euronews. (2025) Going underground: Experts clash over 'hidden city' beneath Egypt pyramids. متاح عبر: Experts clash over ‘underground city’ beneath pyramids (تم الدخول في 29 أبريل 2025).
اليوم السابع. (2020) شاهد كيف كان شكل منطقة الأهرامات قبل 5 آلاف عام .. لن تتخيل. متاح عبر: كيف كان شكل الأهرامات قديما؟ - عربي
(تم الدخول في 29 أبريل 2025).
Sharafeldin, S.M., Essa, K.S., & Saleh, M.A. (2019) Shallow geophysical techniques to investigate the groundwater table at the Great Pyramids of Giza, Egypt. Geoscientific Instrumentation, Methods and Data Systems, 8, 29–41. doi:10.5194/gi-8-29-2019. متاح عبر: https://gi.copernicus.org/articles/8/29/2019/ (تم الدخول في 29 أبريل 2025).
سطور. (n.d.) مميزات الجرانيت وعيوبه. متاح عبر: مميزات الجرانيت وعيوبه - سطور
(تم الدخول في 29 أبريل 2025).
العربية.نت. (2025) أعمدة أسفل هرم خفرع تثير ضجة في مصر.. وزاهي حواس يوضح. متاح عبر: مصر: ضجة وجود أعمدة أسفل هرم خفرع.. وزاهي حواس يوضح الحقيقة - CNN Arabic (تم الدخول في 29 أبريل 2025).
(ورقة البحث) Abstract conf. English Version (3) | PDF
متاح عبر: https://nerv.8kun.top/file_store/e63fa3a01523714edff16d3c52ecf86c6e750e19e22fdd13cb22f6252dc5be0b.pdf (تم الدخول في 29 أبريل 2025).
فيليبو بيوندي – الملف التعريفي للمؤلف على IEEE Xplore
بيوندي، ف. الملف التعريفي للمؤلف على IEEE Xplore. متاح على: Filippo Biondi - IEEE Xplore Author Profile [تم الدخول في: 4 مايو 2025].
أرماندو مي – السيرة الذاتية | جامعة نابولي "فيديريكو الثاني"، قسم العلوم التاريخية
مي، أ. (بدون تاريخ). السيرة الذاتية. جامعة نابولي "فيديريكو الثاني"، قسم العلوم التاريخية. . متاح على: Armando Mei Resume/CV | Università degli Studi di Napoli "Federico II", Scienze Storiche, Graduate Student [تم الدخول في: 4 مايو 2025].
إدواردو أورما، الفنان الذي يرسم بالقلم – بقلم كيارا ريتشي
ريتشي، ك. . إدواردو أورما، الفنان الذي يرسم بالقلم. متاح على: Eduardo Orma, l’artista che dipinge con la penna - Chiara Ricci [تم الدخول في: 4 مايو 2025].
كورادو مالانغا – الموقع الرسمي
مالانغا، ك. الموقع الرسمي لكورادو مالانغا. متاح على: Corrado Malanga [تم الدخول في: 4 مايو 2025].
الكلمات المفتاحية:
الأهرامات، نظرية الأعمدة، هرم خفرع، نيكولا تسلا، الطاقة اللاسلكية.